الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)
.(الْقَوْمُ يَتَحَمَّلُونَ بِالْحِمَالَةِ فيعْدَمُ الْمَطْلُوبُ): قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ تَكَفَّلَ لِي ثَلَاثَةُ رِجَالٍ بِمَالٍ لِي عَلَى فُلَانٍ، فَأَعْدَمَ فُلَانٌ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، أَيَكُونُ لِي أَنْ آخُذَ مَنْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ مَنْ هَؤُلَاءِ الْكُفَلَاءِ الثَّلَاثَةِ بِجَمِيعِ حَقِّي في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَأْخُذُ مَنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْكُفَلَاءِ إلَّا بِثُلُثِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُمْ كُفَلَاءُ ثَلَاثَةٌ. قلت: فَإِنْ قَالَ حِينَ تَكَفَّلُوا لَهُ: إنَّ بَعْضَهُمْ كَفيلٌ عَنْ بَعْضٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا جَعَلَهُمْ كُفَلَاءَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، أَخَذَ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ غَرِمَ الْمَالَ أَحَدُ الْكُفَلَاءِ، ثُمَّ لَقِيَ الَّذِي غَرِمَ ذَلِكَ أَحَدُ الْكَفيلَيْنِ، بِمَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، أَبِالنِّصْفِ أَمْ بِالثُّلُثِ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ. قَالَ: وَلَوْ أَنَّهُمْ حِينَ تَكَفَّلُوا لَهُ، شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَيَّكُمْ شِئْتُ أَنْ آخُذَهُ بِحَقِّي أَخَذْتُهُ، وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ كُفَلَاءَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، فَأَخَذَ مَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ أَخَذَ مِنْهُ، أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَكَفَّلُوا لِلْغَارِمِ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا كَانَ الشَّرْطُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَيَّهُمْ شَاءَ أَخَذَ بِحَقِّهِ، وَكَذَلِكَ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ تَكَفَّلَ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ لِرَجُلٍ بِحَقِّهِ الَّذِي لَهُ عَلَى فُلَانٍ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ لَقِيَ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ الْحَقِّ؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ يَكُونُوا تَحَمَّلُوا بِذَلِكَ الْحَقِّ. وَبَعْضُهُمْ أَيْضًا حُمَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِحَقِّهِ. فَإِنْ كَانُوا هَكَذَا، أَخَذَ مَنْ لَقِيَ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ حَقِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْضُهُمْ حَمِيلًا عَنْ بَعْضٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ لَقِيَ مِنْهُمْ إلَّا بِثُلُثِ الْمَالِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِحَقِّهِ، فَأَخَذَ مِنْهُمْ بِالْحَقِّ رَجُلًا، لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الَّذِي أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الْحَقِّ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى مَنْ تَحَمَّلَ مَعَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونُوا اشْتَرَطُوا عِنْدَ الْحَمَالَةِ أَنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ، وَاشْتَرَطَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ شَاءَ بِالْجَمِيعِ فَأَخَذَ بِذَلِكَ أَحَدَهُمْ، فَإِنَّهُ هَهُنَا يَرْجِعُ مِنْهُمْ مَنْ غَرِمَ عَلَى صَاحِبَيْهِ بِثُلُثَيْ مَا غَرِمَ، إذَا كَانَ في أَصْلِ الْحَمَالَةِ بَعْضُهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ بَعْض. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ حَضَرُوا وَكُلُّهُمْ مَيَاسِيرُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ إلَّا ثُلُثَ الْحَقِّ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْحَمِيلِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ مُوسِرًا لَمْ يُؤْخَذْ الْحَمِيلُ، وَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا أُخِذَ الْحَمِيلُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْحُمَلَاءِ مُعْدِمًا وَبَعْضُهُمْ مُوسِرًا أَخَذَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ حَقَّهُ مِنْ الَّذِي وَجَدَهُ مَلِيًّا مِنْهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ عَلَيْهِمْ في الْحَمَالَةِ أَنَّهُ يَأْخُذُ مَنْ شَاءَ بِحَقِّهِ، فيكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَهُمْ بِالْجَمِيعِ وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ مَيَاسِيرَ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الْجَائِزِ عِنْدَهُمْ، أَنَّ الرَّجُلَ يَكْتُبُ حَقَّهُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ، فيشْتَرِطُ أَنَّ حَيَّكُمَا عَنْ مَيِّتِكُمَا، وَمَلِيَّكُمَا عَنْ مُعْدِمِكُمَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحَمَالَةِ يَتَحَمَّلُ بِهَا أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ. قَالَ: ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي الثِّقَةُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ نَحْوَ ذَلِكَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى سِتَّةِ رِجَالٍ، عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ بِجَمِيعِ الْمَالِ، أَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَمِيلٌ عَنْ أَصْحَابِهِ بِجَمِيعِ الْمَالِ، أَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَمِيلٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابَهُ بِشَيْءٍ، أَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَمِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِجَمِيعِ الْمَالِ، فَأَيَّهُمْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ بِجَمِيعِ حَقِّهِ؛ أَخَذَ. قَالَ في ذَلِكَ كُلِّهِ: وَلَا بَرَاءَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ حَتَّى يُوفي جَمِيعَ هَذَا الْمَالِ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ فَهُوَ سَوَاءٌ كُلُّهُ. وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ مَنْ لَقِيَ بِجَمِيعِ الْحَقِّ فَإِنْ لَقِيَ وَاحِدًا مِنْهُمْ، أَوْ لَقِيَهُمْ جَمِيعًا، كَانُوا مَيَاسِيرَ كُلَّهُمْ أَوْ بَعْضَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرَطَ، فَأَيَّهُمْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ بِحَقِّهِ أَخَذَهُ، فَإِنَّهُ إنْ لَقِيَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَلَهُ أَخْذُهُ بِجَمِيعِ الْحَقِّ، وَإِنْ لَقِيَهُمْ جَمِيعًا - وَهُمْ مَيَاسِيرُ - فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ؛ لِأَنَّ الْحَمِيلَ لَا يُؤْخَذُ بِاَلَّذِي عَلَى الْمِدْيَانِ، إذَا كَانَ الْمِدْيَانُ حَاضِرًا مَلِيًّا، وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُهُ إذَا كَانَ الْمِدْيَانُ عَدِيمًا أَوْ غَائِبًا أَوْ يَكُونُ مِدْيَانًا أَوْ مُلِدًّا ظَالِمًا. فَإِنْ لَقِيَ الْغَرِيمُ وَاحِدًا مِنْ السِّتَّةِ فَأَخَذَ مِنْهُ الْمَالَ كُلَّهُ، ثُمَّ لَقِيَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمَالَ كُلَّهُ أَحَدَ السِّتَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ مِائَةً أَدَّاهَا عَنْهُ خَاصَّةً، وَيَأْخُذُ مِنْهُ مِائَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا حَمِيلَانِ عَنْ الْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ كَانَ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ مِائَةً لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى أَحَدٍ، وَأَخَذَ مِنْ هَذَا الَّذِي لَقِيَ مِائَةً أَدَّاهَا عَنْهُ وَبَقِيَتْ أَرْبَعُمِائَةٍ أَدَّاهَا عَنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِينَ، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعُ عَلَى هَذَا بِنِصْفِ الْأَرْبَعِمِائَةِ؛ لِأَنَّهُمَا حَمِيلَانِ عَنْ الْأَرْبَعَةِ. فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ مِائَتَيْنِ فَقَدْ اسْتَوَيَا في الْغُرْمِ، فَإِنْ لَقِيَ أَحَدُهُمَا أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِينَ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا قَضَاهَا عَنْهُ خَاصَّةً مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى عَنْ الثَّلَاثَةِ، وَقَدْ أَدَّى عَنْ الثَّلَاثَةِ بِالْحَمَالَةِ خَمْسِينَ وَمِائَةً، فيرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِهَا، فيكُونُ جَمِيعُ ذَلِكَ مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ، خَمْسِينَ عَنْهُ خَاصَّةً أَدَّاهَا عَنْهُ وَخَمْسَةً وَسَبْعِينَ عَنْهُ بِالْحَمَالَةِ عَنْ الثَّلَاثَةِ. وَكَذَلِكَ إذَا لَقِيَ الرَّابِعُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمَالُ الثَّالِثَ مِنْ الْبَاقِينَ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِمَا أَدَّى عَنْهُ مِنْ أَصْلِ الدَّيْنِ وَبِنِصْفِ مَا أَدَّى عَنْ أَصْحَابِهِ، فَإِنَّ لَقِيَ الرَّابِعُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْآخَرَ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ، الَّذِي لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الرَّابِعِ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ مِنْ أَصْلِ الدَّيْنِ. وَذَلِكَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا. وَيُنْظَرُ مَا بَقِيَ مِمَّا أَدَّاهُ بِالْحَمَالَةِ عَنْهُ، فَإِذَا هِيَ خَمْسُونَ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ، وَقَدْ أَدَّى الرَّابِعُ بِالْحَمَالَةِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ دِرْهَمًا، فيرْجِعُ عَلَيْهِ الَّذِي أَدَّى خَمْسِينَ وَمِائَةً بِسَبْعَةٍ وَثَلَاثِينَ وَنِصْفٍ، حَتَّى يَعْتَدِلَا بِمَا أَدَّيَا في الْحَمَالَةِ عَنْ الثَّلَاثَةِ، فيصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ قَدْ أَدَّى مِائَةً وَاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفًا. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ، إذَا لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يُؤَدِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلِ الدَّيْنِ مِائَةٌ، فَخُذْ هَذَا الْبَابَ عَلَى هَذَا وَنَحْوِهِ. وَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ السِّتَّةَ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ. تَحَمَّلَ بِهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ. عَلَى أَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ حَمِيلَانِ بِجَمِيعِ الْمَالِ، أَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ حَمِيلَانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، أَوْ كُلَّ اثْنَيْنِ حَمِيلَانِ عَنْ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ بِجَمِيعِ الْمَالِ، أَوْ عَلَى أَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ ضَامِنَانِ عَنْ وَاحِدٍ بِجَمِيعِ الْمَالِ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ في صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ، فَهَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ. فَإِنْ لَقِيَ رَبُّ الْمَالِ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ أَخَذَ مِنْهُمَا الْجَمِيعَ: ثَلَثَمِائَةٍ ثَلَثَمِائَةٍ، وَإِنْ لَقِيَ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَخَذَهُ بِثَلَثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ: مِائَةٌ مِنْهَا عَلَيْهِ مِنْ أَصْلِ الدَّيْنِ، وَخَمْسُونَ وَمِائَتَانِ عَنْ الْحَمَالَةِ؛ لِأَنَّهُ كَفيلٌ بِنِصْفِ مَا بَقِيَ. فَإِنْ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ، ثُمَّ لَقِيَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ رَجُلًا مِنْ السِّتَّةِ، كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ خَمْسِينَ أَدَّاهَا عَنْهُ مِنْ دَيْنِهِ خَاصَّةً، ثُمَّ يَأْخُذُهُ بِنِصْفِ الْمِائَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَدَّى عَنْ الْحَمَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ الْأَوَّلَ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ مِائَةً لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى أَحَدٍ، وَأَدَّى خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ خَمْسِينَ. فَإِنْ لَقِيَ وَاحِدًا مِنْهُمْ، أَخَذَ مِنْهُ خَمْسِينَ أَدَّاهَا عَنْهُ عَنْ أَصْلِ دَيْنِهِ، ثُمَّ يُشَارِكُهُ فيمَا بَقِيَ مِمَّا أَدَّى عَنْ أَصْحَابِهِ وَذَلِكَ مِائَتَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ حَمِيلَانِ بِجَمِيعِ الْمَالِ. وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ سِتَّةِ رِجَالٍ عَلَيْهِمْ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ ضَمِنُوهَا لِصَاحِبِهَا، عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ضَامِنٌ لِنِصْفِ جَمِيعِ الْمَالِ. فَإِذَا لَقِيَ صَاحِبُ الدَّيْنِ وَاحِدًا مِنْهُمْ؛ أَخَذَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَذَلِكَ مِائَةٌ، وَبِنِصْفِ مَا عَلَى أَصْحَابِهِ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ. فَإِنْ لَقِيَ صَاحِبُ الدَّيْنِ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَخَذَ مِنْهُ، ثَلَثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثُمَّ إنْ لَقِيَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ؛ أَخَذَهُ بِخَمْسِينَ أَدَّاهَا عَنْهُ، وَبِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِمَّا أَدَّى عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَإِنْ لَقِيَ الْمُؤَدِّي الثَّانِي أَحَدًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِينَ، أَخَذَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَدَّاهَا عَنْ خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَبِنِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمِائَةِ حَتَّى يَسْتَوُوا في الْغُرْمِ عَنْ أَصْحَابِهِمْ، وَذَلِكَ نِصْفَ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ دِرْهَمًا، وَكَذَلِكَ مَنْ لَقَوْا مِنْ أَصْحَابِهِمْ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ، فَخُذْ هَذَا عَلَى هَذَا. قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ السِّتُّمِائَةِ عَلَى سِتَّةِ رِجَال. عَلَى أَنَّ كُلَّ ثَلَاثَةٍ حِمْلًا عَنْ ثَلَاثَةٍ بِجَمِيعِ الْمَالِ، أَوْ عَلَى أَنَّ كُلَّ ثَلَاثَةٍ حُمَلَاءُ عَنْ صَاحِبِهِمْ، أَوْ عَنْ أَصْحَابِهِمْ، أَوْ عَنْ وَاحِدٍ بِجَمِيعِ الْمَالِ، أَوْ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ حَمِيلٌ بِثُلُثِ الْمَالِ، فَهَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ. فَإِنْ لَقِيَ ثَلَاثَةً أَخَذَهُمْ بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ لَقِيَ وَاحِدًا أَخَذَهُ بِمِائَةٍ وَبِثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ. وَإِنْ لَقِيَ اثْنَيْنِ؛ أَخَذَ مِنْهُمَا مِائَتَيْنِ: مَا عَلَيْهِمَا خَاصَّةً وَثُلُثَيْ مَا بَقِيَ مِمَّا تَحَمَّلَا بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَخَذُهُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَسِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثَا دِرْهَمٍ. فَإِنْ لَقِيَ الثَّلَاثَةَ أَخَذَهُمْ بِجَمِيعِ الْمَالِ، فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ لَقِيَ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ لَمْ يُؤَدُّوا، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِمَا أَدَّى عَنْهُ خَاصَّةً بِثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا وَثُلُثٍ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مِائَتَيْنِ: مِائَةً مِنْهُمَا عَلَيْهِ خَاصَّةً وَمِائَةً أَدَّاهَا عَنْ الثَّلَاثَةِ، أَدَّى عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَهَا، فيأْخُذُ مِنْهُ ثُلُثَ الْمِائَةِ الَّتِي أَدَّى عَنْهُ عَنْ خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَبَقِيَ مَا أَدَّى عَنْ الِاثْنَيْنِ وَذَلِكَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ، فيرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِهَا حَتَّى يَسْتَوُوا في الْغُرْمِ عَنْ الِاثْنَيْنِ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ ثُمَّ لَقِيَ الثَّالِثَ الَّذِي أَخَذَ مِنْ صَاحِبِهِ مَا أَخَذَ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ أَدَّيَا مَعَهُ الْمَالَ، جَمِيعَ مَا أَدَّيَا جَمِيعًا عَنْ الثَّلَاثَةِ، فَجُعِلَ عَلَيْهِمَا نِصْفينِ، فيرْجِعُ الْأَوَّلُ الَّذِي لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الثَّالِثِ شَيْئًا، عَلَى الَّذِي أَخَذْنَا بِالْفَضْلِ، حَتَّى يَكُونَا في الْغُرْمِ سَوَاءٌ. فَإِنْ اقْتَسَمَا ذَلِكَ، ثُمَّ لَقِيَا الْبَاقِي الَّذِي أَدَّى مَعَهُمْ الْمَالَ، تَرَاجَعُوا الْفَضْلَ أَيْضًا حَتَّى يَصِيرَ مَا أُخِذَ مِنْ الثَّالِثِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّهُمْ في الْكَفَالَةِ سَوَاءٌ. فَإِنْ لَقِيَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَحَدًا مِمَّنْ لَمْ يُؤَدِّ، فَأَخَذَهُ بِشَيْءٍ عَلَى حِسَابِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُشَارِكَ فيهِ مَنْ لَقِيَ مِنْ الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ أَدَّيَا مَعَهُ الْمَالَ، حَتَّى يَكُونَ مَا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ هَكَذَا يَفْعَلُ فيهِمْ، وَلَوْ كَانَتْ السِّتُّمِائَةِ عَلَى سِتَّةٍ، فَضَمِنُوهَا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَمِيلٌ عَنْ ثَلَاثَةٍ بِجَمِيعِ الْمَالِ، أَوْ عَنْ خَمْسَةٍ، أَوْ عَنْ وَاحِدٍ، أَوْ عَنْ جَمِيعِهِمْ؛ فَهَذَا أَصْلٌ وَاحِدٌ. وَكُلُّ وَاحِدٍ حَمِيلٌ بِجَمِيعِ السِّتِّمِائَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ في أَوَّلِ الْحَمَالَةِ، عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَمِيلٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ، فَلَا يَضُرُّهُ قَالَ عَنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ عَنْ أَقَلَّ أَوْ عَنْ أَكْثَرَ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَمِيلٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ، فَخُذْ هَذَا عَلَى هَذَا. .في الْغَرِيمِ يُؤْخَذُ مِنْهُ حَمِيلٌ بَعْدَ حَمِيلٍ: قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَأَرَى ذَلِكَ لَهُ. وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْكَفيلَيْنِ إذَا تَكَفَّلَا في صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَمْ يُجْعَلْ بَعْضُهُمَا كَفيلًا عَنْ بَعْضٍ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ تَحَمَّلَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِمَالِهِ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ لَقِيَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فَأَخَذَ مِنْهُ كَفيلًا آخَرَ، أَيَكُونُ لِرَبِّ الْحَقِّ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّ الْحَمِيلَيْنِ شَاءَ وَقَدَرَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الْحَقِّ؟ قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَحَمَّلَا في صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّمَا تَحَمَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: هَذَا رَأْيِي. قُلْت أَوَلَا تَرَى أَنَّ أَخْذَهُ الْحَمِيلَ الثَّانِيَ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ إبْرَاءٌ لِلْحَمِيلِ الْأَوَّلِ؟ قَالَ: لَا. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَذْت مَنْ فُلَانٍ كَفيلًا بِمَالٍ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَخَذْتُ مِنْهُ كَفيلًا آخَرَ، أَتَسْقُطُ الْكَفَالَةُ في الْأَوَّلِ، أَوْ تَسْقُطُ كُلُّهَا أَوْ يَسْقُطُ نِصْفُهَا؟ قَالَ: لَا يَسْقُطُ مِنْهَا شَيْءٌ. قُلْت: تَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟ قَالَ: هَذَا رَأْيِي، وَهُمَا جَمِيعًا كَفيلَانِ: كُلُّ وَاحِدٍ بِالْجَمِيعِ. .بَابٌ في الْحَمِيلِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْحَمِيلُ: قَالَ: نَعَمْ يَلْزَمُهُ. قُلْت: تَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَكَذَلِكَ لَوْ تَحَمَّلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ رَجُلٍ، وَتَحَمَّلَ آخَرُ بِنَفْسِ الْحَمِيلِ، أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ تَحَمَّلَ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ بِنَفْسِ رَجُلٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ حَمِيلٌ بِصَاحِبِهِ فَهُوَ جَائِزٌ. وَمَنْ جَاءَ بِهِ مِنْهُمْ فَقَدْ بَرِئُوا كُلُّهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَمَالَةَ وَكَالَةٌ وَإِنْ كَانُوا تَحَمَّلُوا بِوَجْهِهِ وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ حُمَلَاءَ بِبَعْضٍ. فَإِنْ جَاءَ بِهِ أَحَدُهُمْ؛ بَرِئَ هُوَ وَحْدَهُ وَلَمْ يَبْرَأْ صَاحِبَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُمَا. وَإِذَا تَحَمَّلَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فَأَتَى بِهِ أَحَدُهُمْ، فيكُونُ إذَا جَاءَ بِهِ كَأَنَّ كُلَّهُمْ أَتَى بِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَكِيلٌ لِصَاحِبِهِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ. سَحْنُونٌ: فَخُذْ هَذَا الْبَابَ عَلَى هَذَا وَنَحْوِهِ. .الْغَرِيمِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْحَمِيلُ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَّرَ طَالِبُ الْحَقِّ الْغَرِيمَ: قَالَ: أَمَّا إذَا أُخِّرَ الْغَرِيمُ فَهُوَ تَأْخِيرٌ لِلْكَفيلِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أُخِّرَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ فَقَالَ الْحَمِيلُ: لَا أَرْضَى، لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يُفْلِسَ وَيَذْهَبَ مَالُهُ، كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَيَكُونُ صَاحِبُ الْحَقِّ بِالْخِيَارِ، إنْ أَحَبَّ أَنْ يُؤَخِّرَ صَاحِبُ الْحَقِّ - وَلَا حَمَالَةَ عَلَى الْحَمِيلِ - فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَبَى لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْحَمِيلُ. وَإِنْ سَكَتَ الْحَمِيلُ - وَقَدْ عَلِمَ بِذَلِكَ - فَالْحَمَالَةُ لَهُ لَازِمَةٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ حَتَّى يَحُلَّ أَجَلُ مَا أَخَّرَهُ إلَيْهِ، حَلَفَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِاَللَّهِ مَا أَخَّرَهُ، لِيُبَرِّئَ الْحَمِيلَ مِنْ حَمَالَتِهِ وَكَانَتْ حَمَالَتُهُ عَلَيْهِ لَازِمَةٌ. وَأَمَّا إذَا أُخِّرَ الْكَفيلُ، فَإِنِّي أَرَاهُ تَأْخِيرًا عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ، إلَّا أَنْ يَحْلِفَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ: مَا كَانَ مِنِّي ذَلِكَ تَأْخِيرًا لِلْحَقِّ عَنْ صَاحِبِهِ، وَلَا كَانَ ذَلِكَ مِنِّي إلَّا لِلْحَمِيلِ. فَإِنْ حَلَفَ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ صَاحِبُ الْحَقِّ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَزِمَهُ التَّأْخِيرُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ عَنْ الْحَمِيلِ حَمَالَتَهُ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ صَاحِبَ الْحَقِّ إذَا قَالَ: إنَّمَا أَرَدْتُ وَضْعَ الْحَمَالَةِ وَاتِّبَاعَ غَرِيمِي، فَالتَّأْخِيرُ بِمَنْزِلَتِهِ، سَحْنُونٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا أَخَّرَ الْغَرِيمُ وَهُوَ مَلِيءٌ مُوسِرٌ - تَأْخِيرًا بَيِّنًا - فَالْحَمَالَةُ سَاقِطَةٌ عَنْ الْحَمِيلِ. فَإِنْ أَخَّرَهُ وَلَا شَيْءَ عِنْدَهُ، فَلَا حُجَّةَ لِلْكَفيلِ، وَلَهُ الْقِيَامُ عَلَى الْكَفيلِ وَلَهُ أَنْ يَقِفَ عَنْهُ. .بَابٌ في الْحَمِيلِ يَدْفَعُ عَنْ حَمَالَتِهِ غَيْرَ مَا تَحَمَّلَ بِهِ عَنْ الْغَرِيمِ: قَالَ: تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ دِمَشْقِيَّةٍ؛ لِأَنَّكَ كَذَا أَدَّيْتَ. قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي تَكَفَّلْت عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَغَابَ وَلِزَمَنِي الَّذِي تَكَفَّلْت لَهُ فَأَعْطَيْتُهُ بِالْأَلْفِ الدِّرْهَمِ، دَنَانِيرَ أَوْ عَرَضًا مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ طَعَامًا، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ، بِمَ أَرْجِعُ؟ قَالَ: الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ بِالْخِيَارِ، إنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْفَعَ قِيمَةَ مَا دَفَعَ الْكَفيلُ إلَيْهِ إنْ كَانَ عَرَضًا أَوْ حَيَوَانًا فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ طَعَامًا فَمَكِيلَتُهُ. وَإِنْ أَحَبَّ الْأَلْفَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فَذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ هُوَ دَفَعَ الذَّهَبَ مِنْ الْوَرِقِ الَّتِي تَحَمَّلَ بِهَا، فَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ ذَلِكَ، وَيَرْجِعُ الْكَفيلُ الَّذِي دَفَعَ الذَّهَبَ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ فيأْخُذُ مِنْهُ ذَهَبَهُ، وَيَكُونُ الْوَرِقُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ وَعَلَى الْكَفيلِ كَمَا هِيَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْمَأْمُورُ إذَا دَفَعَ دَرَاهِمَ مِنْ دَنَانِيرَ خِلَافُ هَذَا، وَلَا يُشْبِهُ الْكَفيلُ، وَهُوَ بَيْعٌ حَادِثٌ، وَقَدْ فَسَّرْتُ لَكَ ذَلِكَ. قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَكَفَّلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الْكَفيلُ لِلَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ: ادْفَعْ لِي هَذَا الثَّوْبَ وَأَنَا أَدْفَعُ الْأَلْفَ عَنْكَ. فَدَفَعَ الثَّوْبَ إلَيْهِ، ثُمَّ إنَّ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ لَزِمَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ فَغَرِمَ الْمَالَ، بِمَ يَرْجِعُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ عَلَى الْكَفيلِ، أَبِالثَّوْبِ أَمْ بِالْأَلْفِ؟ قَالَ: يَرْجِعُ بِالْأَلْفِ. قُلْت: لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ بَاعَهُ الثَّوْبَ بِأَلْفٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى فُلَانٍ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِ قَوْلِ مَالِكٍ في هَذَا وَهَذَا رَأْيِي. قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ في هَذَا الْأَصْلِ في الْمَأْمُورِ بِالدَّفْعِ وَالْكَفيلِ بِالدَّفْعِ، وَذَكَرَ كَثِيرًا مِنْهُ عَنْ مَالِكٍ: إذَا دَفَعُوا دَنَانِيرَ مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ طَعَامٍ أَوْ عُرُوضٍ، فَالْآمِرُ وَالْغَرِيمُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ دَفَعَ مَا دَفَعَ عَنْهُ لِأَنَّهُ تَعَدَّى عَلَيْهِ بِمَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ مَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا عَنْهُ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا قَضَوْا عَنْهُ. سَحْنُونٌ: وَهَذَا الْأَصْلُ التَّنَازُعُ فيهِ كَثِيرٌ. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ كَفيلًا تَكَفَّلَ لِي بِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى رَجُلٍ، فَأَبْرَأْتُ الْكَفيلَ مَنْ خَمْسِينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَيَّ الْخَمْسِينَ الدِّينَارَ، بِمَ يَرْجِعُ الْكَفيلُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ؟ قَالَ: بِمَا أَدَّى وَهِيَ الْخَمْسُونَ الدِّينَارَ. قُلْت: وَيَكُونُ لِلَّذِي لَهُ الدَّيْنُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِالْخَمْسِينَ الْبَاقِيَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَرِّئْ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ مِنْهَا، إنَّمَا أَبْرَأَ الْكَفيلَ مِنْ الْكَفَالَةِ، فَبَرِئَ الْكَفيلُ مِنْ الْكَفَالَةِ وَلَمْ يُبَرِّئْ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ، فَلَهُمَا جَمِيعًا أَيْ لِلْكَفيلِ وَلِلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يَرْجِعَا عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِينَ خَمْسِينَ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ: هَذَا رَأْيِي. قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ كَفيلَيْنِ تَكَفَّلَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَنْ رَجُلٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: ادْفَعْ إلَيَّ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَأَنَا أَدْفَعُ الْأَلْفَ كُلَّهَا عَنِّي وَعَنْكَ؟ قَالَ: إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ الْحَقُّ - وَصَاحِبُ الْحَقِّ حَاضِرٌ - وَإِنَّمَا يَأْخُذُهَا مِنْهُ فيدْفَعُهَا مَكَانَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ. وَإِنْ كَانَ إنَّمَا اعْتَبَرَهَا سَلَفًا يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ كَانَ صَاحِبُ الْحَقِّ غَائِبًا، أَوْ لَمْ يَحِلَّ الْحَقُّ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَهَذَا رَأْيِي. وَقَالَ غَيْرُهُ: فَإِنْ أَعْطَاهُ في مَوْضِعٍ يَجُوزُ ذَلِكَ لِقُرْبِ دَفْعِهِ عَنْهُ، ثُمَّ إنْ الَّذِي قَبَضَ الْمِائَةَ مِنْ صَاحِبِهِ صَالَحَ الْغَرِيمَ عَلَى خَمْسِينَ؛ فَإِنَّ الصُّلْحَ جَائِزٌ وَلَا يَكُونُ عَلَى الْغَرِيمِ إلَّا خَمْسُونَ، وَيَرْجِعُ الَّذِي أَعْطَى الْمِائَةَ عَلَى صَاحِبِهِ بِخَمْسٍ وَسَبْعِينَ، وَيَتْبَعَانِ الْغَرِيمَ بِخَمْسِينَ يَتْبَعُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ. وَإِنْ صَالَحَ الْكَفيلُ الَّذِي أَخَذَ الْمِائَةَ مِنْ صَاحِبِهِ عَلَى خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنَّ الصُّلْحَ جَائِزٌ، وَلَا يَكُونُ عَلَى الْغَرِيمِ إلَّا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ، وَيَرْجِعُ الَّذِي أَعْطَى الْمِائَةَ عَلَى صَاحِبِهِ بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ، وَيَتْبَعَانِ الْغَرِيمَ بِخَمْسِينَ: يَتْبَعُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ. وَإِنْ صَالَحَ الْكَفيلُ الَّذِي أَخَذَ الْمِائَةَ مَنْ صَاحِبِهِ عَلَى خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنَّ الصُّلْحَ جَائِزٌ، وَلَا يَكُونُ عَلَى الْغَرِيمِ إلَّا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ، وَيَرْجِعُ الَّذِي أَعْطَى الْمِائَةَ عَلَى صَاحِبِهِ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، وَيَتَّبِعَانِ الْغَرِيمَ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ يَتَّبِعُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ. فَإِنْ صَالَحَ الَّذِي أَخَذَ الْمِائَةَ مِنْ صَاحِبِهِ الْغَرِيمِ عَلَى مِائَتَيْنِ أَوْ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، فَإِنَّ الصُّلْحَ جَائِزٌ، وَلَا يَكُونُ عَلَى الْغَرِيمِ إلَّا مَا قَبَضَ مِنْ الْكَفيلِ، وَيَتَّبِعَانِ الْغَرِيمَ إنْ كَانَ الصُّلْحُ بِمِائَتَيْنِ بِمِائَةٍ مِائَةٍ، وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ بِخَمْسِمِائَةٍ اتَّبَعَاهُ بِمَا أَدَّيَا عَنْهُ: أَحَدُهُمَا بِمِائَةٍ وَالْآخَرُ بِأَرْبَعِمِائَةٍ، فَإِنْ أُعْدِمَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ؛ لَمْ يَكُنْ لِلْكَفيلِ الَّذِي أَدَّى أَرْبَعَمِائَةٍ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي كَانَ صَالَحَهُ بِالْمِائَةِ، بِقَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ، وَيَتْبَعَانِ جَمِيعًا الْغَرِيمَ بِمَا أَدَّيَا عَنْهُ. .في الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ أَوْ السِّلْعَةَ وَيَتَحَمَّلُ لَهُ رَجُلٌ بِمَا أَدْرَكَهُ فيهَا مِنْ دَرَكٍ: قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي بِعْتُ مِنْ رَجُلٍ بَيْعًا وَأَعْطَيْته بِهَا كَفيلًا بِمَا أَدْرَكَهُ مِنْ دَرَكٍ، أَتَجُوزُ هَذِهِ الْكَفَالَةُ أَمْ لَا؟ قَالَ: إنْ كَانَ أَعْطَاهُ كَفيلًا بِمَا أَدْرَكَ مِنْ دَرَكٍ فَقَالَ: مَا أَدْرَكَكَ فيهَا مِنْ دَرَكٍ فَعَلَيَّ أَنْ أَرُدَّ الثَّمَنَ، فَالْكَفَالَةُ في هَذَا جَائِزَةٌ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَعْطَاهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَدْرَكَهُ فيهَا دَرْكُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّصَهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، فَالْكَفَالَةُ في هَذِهِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ. قَالَ: وَالْكَفَالَةُ لَا تَلْزَمُ أَيْضًا. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ هَذَا قَوْلُهُ وَهُوَ رَأْيِي. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَخْرُجُ مِنْ الْكَفَالَةِ لِمَا رَضِيَ أَنْ يَلْزَمَهُ نَفْسُهُ، وَهُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الْمُشْتَرِيَ في دَفْعِ مَالِهِ ثِقَةً مِنْهُ بِهِ، فَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ السِّلْعَةِ يَوْمَ تُسْتَحَقُّ أَوْ الثَّمَنِ الَّذِي أَعْطَى إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا حَاضِرًا فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. سَحْنُونٌ: وَخُذْ هَذَا الْأَصْلَ عَلَى هَذَا في مِثْلِ هَذَا وَشِبْهِهِ. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ مَنْ بَاعَ بَيْعًا وَاشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ الْخَلَاصَ، وَأَخَذَ مِنْهُ بِالْخَلَاصِ كَفيلًا، أَيَجُوزُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا يَحِلُّ ذَلِكَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ دَارًا لَيْسَتْ: لَهُ فَقَالَ لِلْمُشْتَرِي: اشْتَرِهَا، فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ ذَلِكَ صَاحِبُهَا فَعَلَيَّ خَلَاصُهَا لَكَ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالْبَيْعُ فيهَا مَرْدُودٌ. وَلَوْلَا أَنَّ النَّاسَ اشْتَرَطُوا هَذِهِ الشُّرُوطَ في الْبَيْعِ الْأَوَّلِ، عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ الْخَلَاصَ، إنَّمَا كَتَبُوهُ عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ وَالتَّشْدِيدِ؛ لَنَقَضْت بِهِ الْبَيْعَ وَلَوْ عَمِلَ رَجُلٌ فَاشْتَرَطَ فَقَالَ: إنْ أَدْرَكَنِي دَرَكٌ في الدَّارِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُخَلِّصَ لِي الدَّارَ بِمَا يَكُونُ مِنْ مَالِكَ، أَوْ تُخَلِّصَهَا بِمَا بَلَغْت وَكَيْفَ شِئْتَ، وَعَلَى ذَلِكَ اشْتَرَى وَبِهِ عَقَدَ بَيْعَهُ؛ لَكَانَ هَذَا فَاسِدًا لَا يَحِلُّ وَلَنَقَضْتُ بِهِ الْبَيْعَ. .في الْحَمَالَةِ في الْبَيْعِ بِعَيْنِهِ وَبَيْعِ الْغَائِبِ: قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدِي، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا إذَا بَاعَ سِلْعَةً بِعَيْنِهَا، أَوْ يَكُونَ ضَامِنًا لَهَا إنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ شِرَاؤُهَا، فَكَذَلِكَ الْكَفَالَةُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَهَذَا مِنْ الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنْتُهُ قَبْلَ هَذَا. قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْت مِنْهُ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً غَائِبَةً وَأَخَذْت مِنْهُ كَفيلًا بِهَا؟ قَالَ: لَا يَكُونُ في هَذَا كَفَالَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى مِنْهُ غَائِبًا بِعَيْنِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَتْ الدَّابَّةُ أَوْ الْعَبْدُ لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ شَيْئًا، وَلَا يَصْلُحُ النَّقْدُ فيهِ؟ قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ غِيبَةً قَرِيبَةً مِمَّا يَصْلُحُ النَّقْدُ فيهَا لَمْ تَصْلُحْ الْكَفَالَةُ فيهَا أَيْضًا؟ قَالَ: نَعَمْ. .في الرَّجُلِ يَعْتِقُ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ وَيَأْخُذُ مِنْهُ بِالْمَالِ كَفيلًا: قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَأَمَّا الَّذِي لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ فيهِ فَكِتَابَةُ الْمُكَاتَبِ. .في الْكَفَالَةِ بِكِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَاتَبْتُ عَبْدِي عَلَى مَالٍ فَأَتَى رَجُلٌ فَقَالَ لِي عَجِّلْ عِتْقَهُ وَأَنَا كَفيلٌ لَكَ بِكِتَابَتِهِ فَفَعَلْتُ أَتَلْزَمُهُ الْكَفَالَةَ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: الْكَفَالَةُ لَهُ لَازِمَةٌ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ، عَلَى أَنْ تَكَفَّلَ بِذَلِكَ الْمَالِ رَجُلٌ، إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَازِمٌ لِلْكَفيلِ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ. قُلْت: أَرَأَيْتَ هَذَا الْكَفيلَ الَّذِي أَدَّى عَنْ الْمُكَاتَبِ هَذَا الْمَالَ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى الْمُكَاتَبِ قَالَ: نَعَمْ في رَأْيِي، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ. .(الْغَرِيمُ يُؤْخَذُ مِنْهُ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ حَمِيلٌ): قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْطَى غَرِيمَهُ حَمِيلًا قَبْلَ مَحَلِّ أَجَلِ دَيْنِهِ، عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى أَبْعَدَ مَنْ الْأَجَلِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ. قَالَ: وَإِنْ حَلَّ حَقُّهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفيلًا وَيُؤَخِّرَهُ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ. قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ فَلَا يَصْلُحُ. وَإِنْ رَهَنَهُ بَعْدَ مَا حَلَّ الْأَجَلُ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا كَانَ الرَّهْنُ أَوْ الْحَمِيلُ قَبْلَ مَحَلِّ الْحَقِّ، عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ. وَلِهَذَا لَا يَكُونُ الرَّهْنُ بِهِ رَهْنًا وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا، وَلَا يَكُونُ قَبْضُهُ لَهُ قَبْضًا إنْ فَلَّسَ الْغَرِيمُ، أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَلَا يَكُونُ عَلَى الْحَمِيلِ شَيْءٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِمَا ارْتَهَنَ وَلَا بِمَا أَخَذَ لَهُ الْحَمِيلُ شَيْءٌ مُبْتَدَأٌ، إنَّمَا كَانَ دَيْنٌ في ذِمَّتِهِ لَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبْقِيَ في يَدَيْهِ الْوَثِيقَةَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ سَلَفًا أَجْرَ مَنْفَعَةٍ، وَهُوَ بَاقٍ في الذِّمَّةِ كَمَا كَانَ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ حَطَّ عَنْهُ بَعْضَ مَالِهِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَجَلِ، عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ حَمِيلًا أَوْ رَهْنًا بِبَقِيَّةِ الْحَقِّ إلَى أَجَلِهِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. قُلْت: فَإِنْ أَعْطَاهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ قَبْلَ الْأَجَلِ، عَلَى أَنْ رَهَنَهُ أَوْ أَعْطَاهُ حَمِيلًا بِالْحَقِّ إلَى أَجَلِهِ؟ قَالَ: هَذَا لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ عَلَى رَجُلٍ إلَى أَجَلٍ مِنْ الْآجَالِ، فَأَخَذَ مِنْهُ حَمِيلًا قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ، أَوْ رَهَنَهُ بِهِ رَهْنًا عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ، فَلَا خَيْرَ فيهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ كَأَنَّهُ سَلَفٌ أُسْلِفَهُ عَلَى أَنْ يَزْدَادَ في سَلَفِهِ. قَالَ: وَإِذَا حَلَّ الْأَجَلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّ ذَلِكَ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا عَنْ ظَهْرِ يَدٍ وَأَخَذَ بِهِ حَمِيلًا. قَالَ مَالِكٌ: وَالرَّهْنُ مِثْلُهُ إذَا رَهَنَهُ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ، عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى أَبْعَدَ مِنْ مَحَلِّ الْأَجَلِ، لَا يَجُوزُ وَلَا يَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِّ فَلَا بَأْسَ بِهِ. .في الْغَرِيمِ إلَى أَجَلٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ حَمِيلٌ أَوْ رَهْنٌ بِالْقَضَاءِ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ: قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ هَهُنَا وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ. قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ أَعْطَانِي حَمِيلًا أَوْ رَهْنًا قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَنِي حَقِّي عِنْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ، أَيَجُوزُ هَذَا أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَذْت مِنْهُ حَمِيلًا قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ، وَكَانَ دَيْنِي عَلَيْهِ مَحَلُّهُ إلَى سَنَةٍ فَأَعْطَانِي كَفيلًا بِحَقِّي إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ؟ قَالَ: هَذَا لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا تُهْمَةَ فيهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَجَّلَ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ، وَزَادَ مَعَ ذَلِكَ حَمَالَةُ هَذَا الرَّجُلِ؟ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. .في الْحَمِيلِ يَأْتِي بِالْغَرِيمِ بَعْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَى الْحَمِيلِ بِالْمَالِ: وَقَالَ: لَمْ تُوَافِنِي بِهِ؟ قَالَ: يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ وَافَاهُ بِهِ وَإِلَّا غَرِمَ الْمَالَ. قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ: هَذَا رَأْيِي. قُلْت: فَإِنْ وَافَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْل أَنْ يَحْكُمَ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: ذَلِكَ لَهُ جَائِزٌ، وَيَبْرَأُ مِنْ الْمَالِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ غُرْمٌ. سَحْنُونٌ: وَكَذَلِكَ يَقُولُ غَيْرُهُ مِنْ الرُّوَاةِ.
|